يحتفل العالم هذه الأيام بذكرى إنفاذ اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، حيث دخلت الاتفاقية حيز النفاذ فى التاسع من ديسمبر عام 2005، بعد أن كانت الاتفاقية قد اعتُمدت فى 31 أكتوبر عام 2003

تلك الاتفاقية تضم 71 مادة مقسمة إلى 8 فصول، وتهدف إلى أن تقوم الدول الأطراف بتنفيذ عدة تدابير لمكافحة الفساد، والتى قد تؤثر على القوانين والمؤسسات والأفراد.

عُقد مؤتمر الأمم المتحدة الثامن لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين فى الفترة من 27 أغسطس إلى 7 سبتمبر 1990، فى هافانا عاصمة دولة كوبا، ونجم عنه، فى جملة أمور، اتخاذ القرار رقم 7 بعنوان "الفساد الحكومى" وعملا بذلك القرار أعدت الأمانة العامة ورقة معلومات أساسية عن العمل الدولى لمكافحة الفساد تتضمن مشروع مدونة دولية لقواعد سلوك الموظفين العموميين.

عُرض المشروع فيما بعد على لجنة منع الجريمة والعدالة الجنائية، فى الدورة الرابعة عام 1995، وبناء على توصية اللجنة المقدمة للمشروع، اتخذ المجلس الاقتصادى والاجتماعى القرار رقم 14/1995 المؤرخ بتاريخ 24 يوليه 1995، والذى طلب فيه إلى الأمين العام أن يواصل مشاوراته مع الحكومات، بغرض زيادة تنقيح نص مشروع المدونة، وعرضه على اللجنة فى دورتها الخامسة، واستمرت الاجتماعات على مدار سنوات للتفاوض ولوضع الأطر اللازمة للاتفاقية.

وعند وضع مشروع الاتفاقية نظرت اللجنة المخصصة فى جملة أمور منها التعريفات، ونطاق سريان الاتفاقية وصون السيادة والتدابير الوقائية والتجريم والجزاءات وسبل الانتصاف، والمصادرة، والحجز، والولاية القضائية، ومسؤولية الشخصيات الاعتبارية، وحماية الشهود والضحايا، وتشجيع وتعزيز التعاون الدولى، ومنع ومكافحة تحويل الأموال ذات المصدر غير المشروع والمتأتية من أفعال فساد، بما فى ذلك غسل الأموال، وسبل إعادة تلك الأموال، والمساعدة التقنية، وجمع المعلومات وتبادلها وتحليلها، وآليات رصد التنفيذ.

قدمت اللجنة المخصصة فى 7 أكتوبر عام 2003، مشروع "اتفاقية مكافحة الفساد" إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، واعتمدت الجمعية العامة الاتفاقية بالقرار رقم 4/85 بتاريخ 31 أكتوبر من نفس العام، وفى القرار نفسه فتحت الجمعية العامة باب التوقيع على الاتفاقية فى مؤتمر التوقيع السياسى الرفيع المستوى، الذى عُقد فى مدينة ميريدا بالمكسيك من 9 إلى ديسمبر من نفس العام، ووفقا للفقرة 1 من المادة 68 بدأ نفاذ اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد فى 14 كانون الأول/ديسمبر 2005 بعد 90 يوما من تاريخ إيداع الصك الثلاثين من صكوك التصديق أو القبول أو الإقرار أو الانضمام للدول الأعضاء.

كانت مصر من أوائل الدول الموقعة على الاتفاقية، حيث وقَّعت مصـر على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد فى 9 ديسمبر 2003 وصدق رئيس الجمهورية فى 11 سبتمبر بالقرار رقم 307 لسنة 2004، ونشر القرار فى الجريدة الرسمية بتاريخ 8 فبراير 2005، وأودعت مصر صك تصديقها على الاتفاقية لدى الأمين العام للأمم المتحدة فى 25 فبراير 2005، واعتمدت مصر مبدأ التنفيذ المباشر للاتفاقيات الدولية إذ تنص الفقرة الأولى من المادة 151 من الدستور المصرى على أن "المعاهدات تكون لها قوة القانون بعد نشرها وفقاً لأحكام الدستور".

اعتمدت مصر فى عام 2018 اسـتراتيجية وطنية جديدة لمكافحة الفسـاد، للفترة من 2019 إلى 2022 على أساس التقدم الذى تم إحرازه خلال فترة الاستراتيجية الأولى، بحيث تحدد التحديات الجديدة وتؤكد على الحاجة إلى تحقيق المخرجات، التى لم يتم الوفاء بها خلال فترة الاستراتيجية الأولى، وتقوم لجنة التنسيق الوطنية لمنع ومكافحة الفساد، والتى يرأسها مكتب رئيس الوزراء تحت إشــراف هيئة الرقابة الإدارية، بتنسيق الإشراف على الاستراتيجية وتنفيذها وتطوير ممارسات منع الفساد.

لا يمكن إنكار أن مصر قطعت شوطًا طويلًا، ولا زالت تسعى بشكل حاسم إلى مكافحة الفساد وإرساء قواعد الشفافية، من خلال الآليات التى تم اعتمادها فى مؤسسات الدولة، وآليات الرقمنة التى تسير بخطى حثيثة، وصحيح أنه لازال هناك الكثير لإنجازه فى ملف الرقمنة، خاصة تلك المؤسسات التى لازالت تعتمد الطرق التقليدية فى الإدارة، لكننى أعتقد أن إجراءات الدولة فى هذا المجال سوف تجعل الرقمنة أمرًا حتميًا.

بقى أن تراجع الدولة بعض القوانين والإجراءات والآليات الخاصة بالتعاملات بين الأفراد خارج نطاق الأجهزة الحكومية، تلك التى يضطر فيها المتضرر للجوء للقضاء المدنى، مثل إجراءات الجمعيات التعاونية واتحادات الشاغلين، والتى عادة ما تثار التساؤلات حول أداء تلك الكيانات، بسبب عدم وجود جهة حكومية لمراقبة نشاط تلك الكيانات، ومدى التزامها بالشفافية وعدم الإضرار بالمال الخاص، هذه المسألة إن تم ضمها لصلاحيات أجهزة الرقابة على المال العام فسوف تحقق الكثير فى هذا المجال أيضًا.