د احمد عمر يكتب الرقابة الإدارية واليوم الوطني لمحاربة الفساد

يحتفل العالم في التاسع من شهر ديسمبر كل عامٍ باليوم العالمي لمكافحة الفساد، بعد أن اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 31 أكتوبر عام 2003، اتفاقية مكافحة الفساد التي تضمنت 71 مادة مقسمة على 8 فصول، وقد دخلت الاتفاقية حيز التنفيذ في ديسمبر 2005م.

وبهذا ألزمت الدول الموقعة على الاتفاقية –ومنها مصر- بنشر الوعي بأن الفساد هو أخطر القضايا التي تواجه الدول، وأنه أداة لتعطيل حركة التنمية الاقتصادية والسياسية، وإشاعة مناخ عدم الاستقرار.

كما ألزمت الدول الموقعة بتنفيذ عدة تدابير لمنع الفساد، وتجريم بعض التصرفات، وتعزيز إنفاذ القانون والتعاون القضائي الدولي، وتوفير آليات قانونية فعالة لتبادل المعلومات وآليات تنفيذ الاتفاقية لمكافحة الفساد.

وبمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الفساد، الذي احتفلت به هيئة الرقابة الإدارية في مصر بالمشاركة مع الجامعات المصرية والإدارة المحلية بالمحافظات، ووزارة الشباب والرياضة، عبر تنظيم ماراثون "معًا ضد الفساد"، يمكنني القول إننا في مصر، وبالقياس إلى حجم الفساد المنتشر بيننا في العقود الماضية، نحتاج إلى يوم وطني لمحاربة الفساد، ولكنه يوم يجب أن يكون ممتدًا على مدار العام.

ويمكنني القول أيضًا إن مصر قد شهدت منذ تولي الرئيس عبدالفتاح السيسي حكم البلاد اهتمامًا نوعيًا غير مسبوق بتأسيس قواعد الحكم الرشيد، وإعادة بناء وإصلاح مؤسسات الدولة، ومحاربة الفساد؛ لأنه حجر العثرة في طريق إرادة المحافظة على المال العام، وإعادة بناء مؤسسات الدولة، وتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة.

وقد توج ذلك الاهتمام بصدور "الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد 2014-2018"، التي تم إعدادها بمعرفة الأجهزة الرقابية المختلفة، بطلب شخصي من رئيس الجمهورية خلال اللقاء الذي جمعه برؤساء الأجهزة الرقابية في 28 أغسطس 2014.

واظهرت تلك الاستراتيجية -المتاحة رقميًا على الموقع الإلكتروني لهيئة الرقابة الإدارية- حرص نظام حكم الرئيس السيسي على إصلاح الجهاز الإداري للدولة، والارتقاء بأداء القائمين عليه.

وكذلك سعيه للحفاظ على المال العام من خلال ترسيخ قيم النزاهة والشفافية والمُساءلة ونشر الوعي بأن محاربة الفساد مسؤولية مشتركة بين الدولة والمجتمع، وأنها واجب وطني على كل مصري.

ولعل أهم ما لفت نظري في تلك الورقة الاستراتيجية التي تمثل أول تفاعل مصري إيجابي مع اتفاقية مكافحة الفساد الصادرة عن الأمم المتحدة، هو حرصها في مقدمتها على الإشارة إلى نقطتين جوهريتين.

النقطة الأولى: أن الارتقاء بمستوى الأداء الإداري والمحافظة على المال العام، والتأكيد على قيم النزاهة والشفافية، أصبحت أولوية قصوى للدولة في كافة المجالات.

النقطة الثانية: أن هدف هذه الورقة الاستراتيجية، هو وضع خطة "واقعية" لمكافحة الفساد تعتمد على الإمكانات والطاقات المتاحة، بهدف الحد من مظاهر الفساد بالمجتمع، وتقويم سلوك الأفراد للارتقاء بالأداء؛ لتحقيق التنمية المستدامة والرفاهية للمواطنين.

ويمكننا في ضوء تلك الاستراتيجية فهم العمليات النوعية لمكافحة الفساد التي شهدناها في مصر في السنوات الأخيرة، والتي قام بها "الرجال الشرفاء" في هيئة الرقابة الإدارية، مثل القبض على أحد وزراء الزراعة السابقين، وهو على رأس عمله، والقبض على نائب رئيس مجلس الدولة الذي انتحر بعد القبض عليه. والقبض على نائبة محافظ الإسكندرية وسكرتير عام محافظة السويس، ومحافظ المنوفية، ووكيل وزارة الصحة بمحافظة الإسكندرية، ورئيس مجلس إدارة إحدى شركات البترول الكبرى.

وقد أظهرت تلك العمليات النوعية صدق إرادة الدولة في محاربة الفساد، إلا أنها زادت في الوقت ذاته من حجم المسؤولية الملقاة من الشعب والقيادة السياسية على رجال هيئة الرقابة الإدارية؛ لاستئصال هذا الكائن السرطاني المتشعب والممتد والمتشابك الذي استشرى في النفوس والمجتمع ومؤسسات الدولة عبر عقود ماضية، والذي صار في وجوده وحياته فشلنا وهشاشة اقتصادنا ومؤسسات دولتنا، وفي موته حياتنا وإصلاح أحوالنا، وقوة اقتصاد ومؤسسات الدولة المصرية، ووحدة وتماسك المجتمع.